بعد صمودٍ أسطوريٍّ على مدار سنواتٍ طويلة، استطاع أهالي حي الشيخ جراح شرقي مدينة القدس، انتزاع قرارٍ من أنيابِ محكمةِ الاحتلال العُليا بقبولِ الاستئناف "جزئيًّا" على قرارِ حكومةِ الاحتلال القاضي بإخلائهم من منازلهم.
وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية، قالت: إنّ القرار يسمح للسكان بالبقاء في منازلهم بالحي، إلى حين صدور قرارٍ نهائي في نزاعِ الملكية الجاري مع منظمة استيطانية إسرائيلية"، وهو ما عدّه الأهالي "خطوة إيجابية" يُمكن البناء عليها في المرحلة القادمة المُتعلّقة بإثبات الملكية.
المقدسي عبد الفتاح اسكافي أحد سكان حي الشيخ جراح، يصف قرار محكمة الاحتلال بأنه "إيجابي" ويجب البناء عليه، مع ضرورة استمرار النضال والصمود في وجه الاحتلال الذي اعتاد الغدر.
يقول اسكافي لصحيفة "فلسطين": "كُنا نطالب محاكم الاحتلال بفتح ملف الملكية منذ أكثر من 40 سنة، من أجل إثبات ملكيتنا لأرضنا في الحي، وكشف أوراقهم المُزيّفة، والآن وافقت بعد طول انتظار".
اعتراف ضمني
ويوضح أنّ القرار يتيح للأهالي تقديم أوراقهم الثبوتية أمام محاكم الاحتلال خلال الأيام القادمة، مُعتبرًا إياه "اعترافًا ضمنيًّا بأنّ الفلسطينيّين لهم حقوق في الحي".
وأضاف: "لدينا أوراق ملكية من الحكومة الأردنية والتركية، وسنتقدّم لمحكمة الاستئناف ذات الاختصاص، من أجل ذلك"، لافتًا إلى أنّ القرار يعني إلغاء قرارات الإخلاء السابقة بحقّ السكان.
ويُشدّد على أنّ "المرحلة القادمة هي معركة إثبات الملكية وقد تمتد إلى سنوات عدّة، وبإذن الله سنثبت لهم أنّ هذه الأرض لنا مرّة وللأبد".
ويعزو هذا الإنجاز إلى صمود المواطنين وثباتهم في وجه مُخطّطات الاحتلال العنصرية وجرائم مستوطنيه ومُحاولاتهم المُستمرة للاستيلاء على الحي، مُنبهًا إلى أنّ "الاحتلال يخشى من تصاعد وتيرة الأحداث في الحيّ مع قرب شهر رمضان الذي يُصادف مطلع إبريل القادم".
وتُقيم عائلة اسكافي إلى جانب 27 عائلة فلسطينية أخرى في حيّ الشيخ جراح منذ عام 1956، بموجبِ اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”.
ويمنع القانون الإسرائيلي الفلسطينيين من المطالبة باسترداد أملاكهم قبل عام 1948 حتى لو امتلكوا من الوثائق ما يُثبت ملكيّتهم لها.
خطوة إيجابية
هكذا بدا الحال لدى المقدسي نبيل الكرد المُهدّد بإخلاء بيته في حيّ الشيخ جراح، إذ يُعدُّ القرار "إيجابيًّا" في الوقت الحالي، مُستدركًا: "لكنّ صراعنا مع دولة احتلال، تنتظر فيها أيّ فُرصٍ لتنفيذِ مُخطّطاتها العنصرية".
ويقول الكرد لـ"فلسطين": إنّ "القرار هو إثباتُ بقائِنا في بيوتنا إلى حين التسوية، وهو ما يدفعنا للاستمرارِ في الصمود والنضال حتى إثبات الملكية كاملة".
ويؤكّد أنّ أهالي الحي هم مالكو الأرض بموجب العقد المُوقّع مع الحكومة الأردنية، مُضيفًا: "حتى اللحظة لا يملك الاحتلال إثبات ملكيته لأراضي الحي، وكلّ الوثائق التي قدّمها تُبيّن أنها مُزوّرة".
ويُجدّد التأكيد على ضرورة الاستمرار بصمود الأهالي والنضال إلى حين إثبات الملكية كاملة، داعيًا الأردن إلى القيام بدورها السياسي المُتعلّق بالضغط على الاحتلال والتأكيد على ملكيّة الأهالي للحي.
ويتابع: "ما زلنا تحت حكمٍ احتلاليّ ينتهج إستراتيجية التهجير واقتلاع المواطنين من أراضيهم سواء من حي الشيخ جراح، أو من القدس ككل"، مُنبّهًا إلى أنّ صمود الأهالي ودعم المقاومة والشعب الفلسطيني ككُل ساهم في إجبار الاحتلال على اتخاذ هذا القرار.
ويطالب الكرد، وسائل الإعلام الفلسطينية بضرورة الاستمرار بفضحِ الرواية الإسرائيليّة المُزيّفة، وإثبات الحق الفلسطيني في أرض حيّ الشيخ جراح، التي تعتبرها (إسرائيل) منطقة استراتيجية كونها واقعة في قلب القدس.
أما المقدسي عارف حماد الذي يتهدّده التهجير من منزله في الحي، منذ سنواتٍ عدّة، يرى أنّ قرار محكمة الاحتلال "إيجابيًّا"، على عكس السنوات السابقة.
ويقول حماد لصحيفة "فلسطين": إنّ "الاحتلال لم يكن يسمح لنا بالحديث عن ملكية الأرض، لكن هذا القرار يُتيح لنا إثبات زيف الرواية الإسرائيلية، عبر تقديم الأوراق الثبوتية"، مُؤكّدًا أنّ الأهالي سيواصلون نضالهم حتى تحقيق كلّ أهدافهم.
ويوضح أنّ الإثباتات التي قدمها محامي الأهالي أجبرت محكمة الاحتلال على التوصّل لهذا القرار، مُشدّدًا على استمرار "التصدّي لمحاولات اقتلاع السكان من منازلهم لصالح المستوطنين".
أما المقدسي محمود صالحية، الذي هدم الاحتلال بيته قبل أكثر من شهر، لن يرى أنّ القرار له تداعيات إيجابية، خاصة أنّ القرار ليس نهائيًا إنما "تجميد" لحين التسوية.
ويبيّن صالحية لـ "فلسطين"، أنّ قبول محكمة الاحتلال للاستئناف جاء عقب صمود الأهالي ورفضهم القاطع الخروج من منازلهم، إضافةً إلى المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة التي ساهمت بذلك.
وشدّد على أنّ "الشباب المقدسي سيبقى صامدًا في أرضه على ذات النهج، ولن يسمح للاحتلال بمحاولة الاستيلاء على الحيّ"، داعيًا لعدم التسليم بالقرار الإسرائيلي وإبقاء الضغط إلى حين الحصول على إثبات الملكية كاملة.